العقل عند الإنسان
العقل عند الإنسان
ألقى فضيلة الخطيب: الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "العقل عند الإنسان"،
والتي تحدَّث فيها عن العقل وضرورة حفظِه والعناية به، مُبيِّنًا أهميتَه في
دينِنا، ومدَى ارتباط العقل الصريح بالنقل الصحيح، مع مدحِ أُولِي العقول
والألبابِ في كتابِ الله تعالى.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ
بالله من شُرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له،
ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن
محمدًا عبدُ الله ورسولُه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً
سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإنَّ أحسنَ الحديث كتابُ الله،
وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ
مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة.
معاشرَ
المسلمين:
لقد كرَّمَ
اللهُ الإنسانَ وفضَّله على كثيرٍ ممن خلَقَ، خلَقَه فأحسنَ خلقَه، وكرَّمَه
بالاستِعدادات التي أودعَها فِطرتَه، هيئةٌ وفِطرَة تجمعُ بين الطينِ والنفخَة،
هيَّأَ له من التسخِير ما يقومُ به في وظيفةِ الاستِخلافِ والتعمير، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13].
وإن من أهمِّ
مُهمات الاستِخلاف والتعمير: إصلاحَ التفكير واستِقامتَه، وضبطَ مسَارِه في كلِ
جوانِبِ الحياةِ وميادينِها، ومنزلةُ الإنسان وقوَّةُ تفكيرِه تظهرُ بقَدرِ
إعمالِه فِكرَه، وحُسنِ تصرُّفهِ في عقلِه، ومدَى تحقيقِه لما ينفَعُه في دُنياه
وآخرتِه.
العقلُ - حفظكم
الله - هو أُسُّ الفضائِل، وينبُوعُ الآداب، هو للدينِ أصلٌ، وللدنيا عِماد، وليس
أفضلَ من أن يهَبَ اللهُ عبدَه عقلاً راجِحًا، وتفكيرًا مُستقيمًا.
العقلُ قوةٌ
وغريزةٌ اختَصَّ الله بها الإنسانَ، وفضَّلَه بها على سائرِ مخلوقاته، العقلُ قوةٌ
مُدرِكة تقومُ بوظائفَ كبرى، من ربطِ الأسباب بمُسبَّباتها، وإداراكَ الغائِب من
الشاهِد، والكلياتِ من الجزئيات، والبدهيَّاتِ من النظريات، والمصالحِ من المفاسد،
والمنافعِ من المضار، والمُستحسَنِ من المُستقبَح، وإدراكِ المقاصدِ وحسنِ
العواقب.
العقلُ نورٌ من
الله يُميِّزُ به الحقَّ والباطلَ، والخطأَ والصوابَ في الأقوالِ والأفعالِ
والاعتقاداتِ والعلومِ والمعارفِ.
ومن اللطيفِ -
معاشر الإخوة -: أن لفظَ العقل لم يرِد في القرآن الكريم، وإنما جاءَت مُشتقَّاتُه
ومُرادفاتُه، كقولِه - عزَّ شأنُه -: ﴿مَا عَقَلُوهُ﴾ [البقرة: 75]، وقوله: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ﴾ [الملك: 10]، وقوله - عزَّ شأنُه -: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا
الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]،
وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: 67]، وقوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
[يوسف: 2]، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 32]، ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [يس: 68].
كما جاء من المُرادِفات: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 269]، وأُولُو النُّهَى، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى﴾ [طه: 54]، ﴿لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190]، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى
لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37]، ﴿هَلْ
فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ﴾ [الفجر: 5].
ومما يلفِتُ النظرَ - عبادَ الله -: أن القرآنَ الكريم ربطَ ربطًا واضحًا بين
الأذن وحاسَّةِ السمع، والعَينِ وحاسَّةِ البصَر، والرِّجلِ وقُدرة المشْي، واليدِ
وقوةِ البطش، في مثل قولِه - عزَّ شأنه -: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ
أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ
آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: 195].
أمَّا العقلُ فلم يُربَط بشيءٍ من ذلك؛ بل ورَدَ باسم وظيفتِه المُدرِكة،
وليس باسمِه أو آلَتِه. وكأنَّ في هذا دلالةً وإشارةً إلى أن العقلَ يُمثِّلُ
مجموعَ أدوات الإدارك من سمعٍ وبصرٍ وفؤادٍ وقلبٍ وغيرها، فالعقلُ مُرتبطٌ
بالإنسان كلِّه، ومُنتظمٌ لحواسِّه كلِّها، فهو ملَكةٌ وظيفيةٌ يرتبطُ وجودُها
وعملُها بوجود أدواتها، وعلى قَدرِ حُسنِ توظيف الإنسان لهذه الأدوات يكون
تعقُّلُه في الأمور، ونُضجُه في الإدراك، مما يتبيَّن معه ارتِباطُ العقلِ
بالأحداث والتصرُّفات.
فالنظرُ العقليُّ عملٌ حيٌّ مُتحرِّكٌ له أبعادُه ومدلُولاتُه التي ترتبِطُ
بالأشخاص، والأزمان، والأحداث، وكلِّ حركات الحياة والأحياء.
عبادَ الله:
وقد جعَلَ الله إعمالَ العقل وحُسنَ استخدامِه بيدِ الإنسان، فمن شاءَ
فليتقدَّم، ومن شاءَ فليتأخَّر، ولا يكون إعمالُ العقل إلا في التفكيرِ والتذكُّر،
والاعتِبارِ والتدبُّر، والنظرِ والتبصُّر، والعلمِ والفقهِ، وكلُّ ذلك جاء الأمرُ
به في كتابِ الله - عزَّ وجل - فيه آيات كثيرة، كقوله - عزَّ شأنه -: ﴿وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: 21]، وقوله - عزَّ شأنُه -: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ
مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 10]، وقالَ تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ
أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].
أيها المسلمون:
وإذا كان ذلك كذلك، فإن العقلَ في الإسلام هو مَناطُ التكليف، ومحلُّ الفَهم،
وبه استنباطُ الأحكامُ الشرعية وبيانُ مُرادِ الشارع، وبه حُسنُ التصرُّف في أمورِ
الدينِ والدنيا.
والعقلُ مُكلَّفٌ تكليفًا صريحًا بالنظرِ في ملكوتِ السماوات والأرض، وإدراكِ
العلاقات أسبابًا ومُسبَّبات، واكتسابِ العلوم، والنظر في المصالحِ والمفاسدِ،
والمنافع والمضار، والعدلِ والظلم، كلُّ ذلك من أجل أن يستَفيدَ من التسخير
للقيامِ بمهمة التعمير.
والقرآنُ الكريم والسنةُ المُطهَّرة مليئَان بالدلائلِ البرهانية، والأقيِسةِ
العقلية، وضربِ الأمثال، وحُسنِ الجدال، كلُّ ذلك حتى يتحرَّر العقلُ من تلبيسات
الخرافة، وأساطيرِ الأولين، وتخرُّصاتِ الكهنة والمنجمين، والسحَرةِ والمشعوذين،
والطِّيَرةِ والمُتشائِمين، والتقليدِ الأعمى لما عليه الآباءُ والأسلاف؛ لينطلِقَ
إلى آفاقٍ رَحبَة واسِعة من العقيدةِ الصافية، والعملِ الصالح، والعطاءِ المُنتِج،
قال - سبحانه -: ﴿قُلْ
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [النمل: 64]، وقال - عزَّ شأنه -: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن
تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ: 46]، وقال - عزَّ شأنه -: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ
إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا
الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)
وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس:25- 32]، وقال - عزّ شأنه -: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا
وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا
وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ [ق: 6- 8].
معاشر المسلمين:
وإن من أعظمِ مخزُونِ أمَّتنا الثقافي، وقضاياها العُليا: ارتباطَ العقلِ
بالنقل، وترتيبَ العلاقة بين المعقول والمنقول، وإن فُحولَ علماءِ الأمة
وراسِخِيها، ويأتي في مُقدَّمهم شيخ الإسلام بن تيمية - قدَّسَ الله سرَّه، ورحمَ
اللهُ أهلَ العلمِ أجمعين - كلُّهم قرَّروا ودقَّقوا وبرهَنوا على موافقةِ صريحِ
المعقول لصحيحِ المنقول، فلا تعارُضَ بين عقلٍ صريحٍ ونقلٍ صحيحٍ، فقضايا العقل
الصريح خلقُ الله، وما جاء في النقل الصحيح شرعُ الله، فلا تناقُضَ ولا تعارُضَ
بين خلق الله وشرعِ الله، ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88].
فالحقُّ لا يتناقَض، بل إنَّ الأمرَ كلما كان أفسَدَ في الشرع كان أفسَدَ في
العقل، فتتطابقُ الدلائلُ القرآنية على البراهين العقلية، ويتصادَقُ مُوجَبُ
الشرعِ والمنقول مع النظر والمعقول، والمؤمنُ كلما كان إلى الرسولِ - صلى الله
عليه وسلم - وأصحابهِ والتابعين لهم بإحسانٍ أقرَب، كان إلى كمالِ التوحيدِ
والإيمانِ والعقل والعرفانِ أقرَب، وكلما كان عنهم أبعَد، كان عن ذلك كلِّه أبعَد.
أيها المسلمون:
والعالمُ المُعاصِر بعلومِه وفنونِه ومُكتشفاتِه ومُخترعاتِه، ما أصابَ من
خيرٍ ومنافِع فمن إعمالِ العقل، وما أصابَ من سُوءٍ ومفاسِد فمن حريةِ العبَث
والهوَى، والبُعدِ عما جاء به المُرسَلون من الحقِّ والهُدى، ولا يجوزُ الخَلطُ
بين الأمرين، وبنُو آدم بالعلمِ والعقل يرتَقُون إلى مصافِّ الملائكةِ الأطهار،
كما قال - عزّ شأنه -: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ
وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
[آل عمران: 18].
وبالشهواتِ والضلالات يكونونَ أضلَّ من الأنعام، كما في قوله - عزَّ شأنه -: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ
هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾
[الفرقان: 43- 44]،
وقال - عزَّ شأنه -: ﴿فَأَعْرِضْ
عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)
ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ [النجم: 29، 30]، ويقولُ - جلَّ وعلا -: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم
بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [غافر: 83].
وبعدُ .. عباد الله:
فإنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عن حفظهِ عقلَه، واللهُ سائِلُه عما استرعَاه في نظرِه
وفِكره، وحُسنِ استِخدامهِ لذلك كلِّه، شأنُه في ذلك شأنَ كل النِّعمِ من عُمرٍ
وصحَّة، ومالٍ وبنين، وحفظِ حواسٍّ، وسلامةِ أجهزةٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
ومن أجلِ هذا فإنَّ ذا العقلِ السليم والمنهج المُستقيم يربَأُ بنفسِه عن
الدنايا، وينْأَى عن المُحقَّرات، ولا يَميلُ مع الهوَى، ولا يخضَعُ للعادات وما
عليه الآباءُ والأسلافُ، ويتجنَّبُ العِنادَ والمُكابَرةَ والمِراء.
أعوذُ بالله من
الشيطان الرجيم: ﴿قُلِ
انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ
عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: 101].
نفَعَني اللهُ وإياكم بالقرآنِ
العظيم، وبهَديِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
وأقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائرِ
المسلمين من كل ذنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفِرُوه،
إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، الحمدُ لله ناصِرِنا
وهادِينا، شرعَ لنا من الشرائِع ما يَكفِينا ويُغنِينا، أحمدُه - سبحانه -
وأشكُرُه على جَزيلِ ما يُعطِينا ويُولِينا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ
له شهادةَ حقٍّ علمًا ويَقينًا، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله
ورسولُه بعثَه ربُّه بالحقِّ والهُدى شِرعةً وتوحيدًا ودينًا، صلَّى الله وسلَّم
وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه هم سلَفُنا وبهم تأسِّينا، والتابعين ومن
تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد .. أيها المسلمون:
ومع مكانةِ العقلِ وكريمِ مقامِه،
فإنه آلةٌ ووسيلةٌ للفَهم، له حدودُه التي ليس له أن يتجاوزَها، فإن خرجَ عن
حدودِه وقعَ في الضلالِ والانحِراف، ودخلَ في المعنِيِّ بقولِه - عزَّ شأنُه -: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ
كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ
أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179].
العقلُ بمُجرَّدِه لا يصلُحُ
مرجِعًا ولا مِيزانًا، فعقولُ البشر مُتفاوِتة في قوتِها وضعفِها وإدراكِها
واستيعابِها، وإنَّ من الخطَل أن يخلِطَ من يخلِط، فيجعلُ عقلَه هو المرجِع، فما
يستنكِرُه هوَاه أو رأيُه ورغَباتُه، يحسَبُ أن العقلَ هو الذي استنكَرَه وأبَاه،
وما قبِلَه فعنده أن العقلَ هو الذي قبِلَه وارتضَاه، وقد علِمَ أن العقولَ
مُختلِفةٌ منازِلُها، والحظُوظ مُتفاوِتةٌ إدراكاتُها.
وتأمَّلُوا - رحِمَكم الله - ما
ورَدَ في الخبر: "تفكَّروا في خلقِ الله ولا تتفكَّروا في الله؛ فإنكم لن
تقدُرُوا قَدرَه".
قال أهلُ العلم: "وما ذلك إلا
لأنَّ العقلَ البشريَّ لا يُدرِكُ ما كان خارِجَ الصور التي يُحسُّها ويراها،
والمُدرَكاتِ التي يعيشُها، أما الغيبُ وما وراء المحسُوس فلا يُدرِكُه العقلُ إلا
بالخبَرِ الصادق، وإبراهيم - عليه السلام - أراه اللهُ ملَكوتَ السماوات والأرض؛
ليكونَ من المُوقِنين، وأراه كيفَ يُحيِي الموتَى ليطمئنَّ قلبه، فحقائِقُ الغَيبِ
لا تُدرَكُ إلا بالخبَرِ الصحيحِ من الصادقِ المصدوقِ.
ألا فاتَّقُوا الله - رحمكم الله -، فالعقلُ مُصدِّقٌ للشرع في كل
ما أخبَرَ به، دالٌّ على صِدقِ الرسالة، والعقلُ شرطٌ في معرفة العلوم وصلاحِ
الأعمال، وبه يكمُلُ العلمُ والعملُ، ولكنه ليس مُستقِلاًّ بنفسِه، بل هو مُتَّصِلٌ
بنورِ الكتابِ والسنة، ﴿وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾
[الشورى: 52]، وإذا
انفَرَدَ العقلُ بنفسِه لم يُبصِر، وإذا استقَلَّ بذاتِه عجَزَ عن الإدراكِ
الصحيح.
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على الرحمةِ المُهداة، والنعمةِ المُسداة:
نبيِّكُم محمدٍ رسولِ الله؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم، فقالَ في مُحكَمِ تنزيلِه -
وهو الصادقُ في قِيلِه -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك: نبيِّنا محمدٍ الحبيبِ
المُصطَفى، والنبيِّ المُجتَبَى، وعلى آله الطيبين الطاهِرِين، وعلى أزواجِه
أمهاتِ المؤمنين.
وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأربعةِ
الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن
تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وإحسانِك يا أكرم
الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشرك
والمُشركين، واخذُل الطغاةَ، والملاحِدَة، وسائرَ أعداءِ المِلَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح
أئمَّتَنا وولاةَ أمُورِنا، واجعَل اللهم ولايتَنَا فيمن خافَك واتَّقاك واتَّبَع
رِضاكَ يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا وولِيَّ أمرنا
بتوفيقِك، اللهم وفِّق إمامَنا وولِيَّ أمرنا بتوفيقِك، وأعِزَّه بطاعتِك، وأَعلِ
به كلمَتَك، واجعَله نُصرةً للإسلامِ والمسلمين، ووفِّقه ونائبَيه وإخوانَه
وأعوانَه لما تُحبُّ وتَرضَى، وخُذ بنواصِيهم للبِرِّ والتقوَى.
اللهم وفِّق ولاةَ أمورِ المسلمين
للعملِ بكتابِك، وبسنَّةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً
لعبادِك المؤمنين، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والهُدَى يا ربَّ العالمين.
اللهم وأصلِح
أحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم احقِن
دماءَهم، واجمَع على الحقِّ والهُدى والسنَّةِ كلمتَهم، وولِّ عليهم خيارَهم،
واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرَّخاءَ في ديارِهم، وأعِذهم من
الشُّرور والفتَن ما ظهَرَ منها وما بطَن.
اللهم من
أرادَنا وأرادَ دينَنا وديارَنا وأمَّتنا وأمنَنا وولاةَ أمْرنا وعلماءَنا وأهلَ
الفضلِ والصلاح والاحتِسابِ منَّا ورجالَ أمننا وقوَّاتنا ووحدتَنا واجتماعَ كلمتِنا
بسوءٍ، اللهم فأشغِله بنفسِه، اللهم فأشغِله بنفسِه، واجعَل كيدَه في نحرِه،
واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر
جنودنا المُرابِطين على الحدود، اللهم انصُر جنودنا المُرابِطين على الحدود، اللهم
سدِّد رأيَهم، وصوِّب رميَهم، واشْدُد أزرَهم، وقوِّ عزائِمَهم، وثبِّت أقدامَهم،
واربِط على قلوبِهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم أيِّدهم بتأييدك، وانصُرهم
بنصرك، اللهم احفَظهم من بين أيديهم، ومن خلفِهم، وعن أيمانِهم، وعن شمائلِهم، ومن
فوقِهم، ونعوذُ بك اللهم أن يُغتالُوا من تحتهم، اللهم ارحَم شُهداءَهم، واشفِ جرحَاهم،
واحفَظهم في أهلِهم وذرارِيهم إنك سميعٌ مُجيب.
اللهم يا وليَّ
المؤمنين، اللهم يا وليَّ المؤمنين، ويا ناصِر المُستضعَفين، ويا غِياث
المُستغيثين، يا عظيمَ الرجاء، ويا مُجيرَ الضعفاء، اللهم إنّ لنا إخوانًا مُستضعَفين
مظلُومين في فلسطين، وفي بُورما، وفي أفريقيا الوُسطى، وفي ليبيا، وفي العِراق،
وفي اليمن، وفي سُوريا، قد مسَّهم الضُّرُّ، وحلَّ بهم الكَربُ، واشتدَّ عليهم
الأمرُ، تعرَّضُوا للظُّلم والطغيان، والتشريدِ والحِصار، سُفِكَت دماؤُهم،
وقُتِّلَ أبرياؤُهم، ورُمِّلت نساؤُهم، ويُتِّمَ أطفالهُم، وهُدِّمَت مساكنُهم
ومرافِقُهم.
اللهم يا ناصِر
المُستضعَفين، ويا مُنجِيَ المؤمنين! انتصِر لهم، وتولَّ أمرَهم، واكْشِف كربَهم،
وارفع ضُرَّهم، وعجِّل فرَجَهم، وألِّف بين قلوبهم، واجمَع كلمتَهم، اللهم مُدَّهم
بمَدَدِك، وأيِّدهم بجُندِك، وانصُرهم بنصرِك.
اللهم إنا
نسألُك لهم نصرًا مُؤزَّرًا، وفرَجًا ورحمةً وثباتًا، وسدِّد رأيهم، وصوِّب
رميَهم، وقوِّ عزائِمَهم.
اللهم عليك
بالطُّغاة الظالمين ومن شايَعَهم، ومن أعانَهم، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت
شملَهم، ومزِّقهم كلَّ مُمزَّق، واجعَل تدميرَهم في تدبيرهم يا رب العالمين.
اللهم عليك
باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسَك الذي
لا يُردُّ عن القومِ المُجرمِين، اللهم إنا ندرَأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من
شُرورهم.
اللهم اغفِر
لنا ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ونفِّس كروبَنا، وعافِ مُبتلانَا، واشفِ مرضانا،
وارحَم موتانا.
اللهم أنت الله
لا إلهَ إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، اللهم أنت الله لا إلهَ إلا أنت، أنت
الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنتَ
الله لا إلهَ إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا
من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
اللهم اسقِنا
غيثًا مُغيثًا، هنيئًا مريئًا، طبَقًا سحًّا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ،
عاجِلاً غيرَ آجِل، تُحيِي به البلاد، وتُغيثُ به العباد، وتجعَلُه بلاغًا للحاضِر
والبادِ.
اللهم سُقيَا
رحمةٍ، لا سُقيَا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا بلاءٍ، ولا غرقٍ، اللهم اسقِ عبادَك
وبلادَك وبهائِمَك، وانشُر رحمتَك، وأحيِي بلدَك الميت.
اللهم أنبِت
لنا الزرعَ، وأدِرَّ لنا الضَّرعَ، وأنزِل علينا من بركاتِك، واجعَل ما أنزلتَه
قوَّةً لنا على طاعتِك، وبلاغًا إلى حين.
اللهم إنّا
خلقٌ من خلقِك، فلا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك.
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
عباد الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].
فاذكُروا اللهَ
يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعُون.
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد
الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من الإضرار
بالمسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن ثلاث خِصالٍ جاء ذمُّ من اقترفَ إثمَ
واحدةٍ منها، مُبيِّنًا انتِشارَ هذه الخِصال القبيحَة بين بعضِ المُسلمين، ووجوب
الحذَر من الوقوعِ فيها؛ لما ترتَّبَ عليها من وعيدٍ شديدٍ لمُرتكبِيها.
الخطبة الأولى
الحمدُ لله الذي عمَّ عبادَه
بواسِع رحمتَه، وخصَّ أولياءَه بالمعيَّةِ والتثبيتِ على شِرعَته، وأودعَ في
قلوبِهم نورَ معرفتِه ومحبَّتِه، أحمدُه -
سبحانه - ندبَ عبادَه إلى ذكرِه وشُكرِه وحُسنِ عبادتِه،
وشوَّقهم إلى لقائِه ورُؤيته، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن
سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه الذي ثبَتَ على تبليغِ رسالتِه،
وأداءِ أمانتِه، ونُصْح أمَّتِه، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آلهِ وصحبِه حمَلَةِ
رايَتِه، وأتباع سُنَّتِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتَّقُوا الله - عباد الله -، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ
لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281]
عباد الله:
دَيدَنُ اللَّبيبِ الفَطِن، وشأنُ
الأريبِ اليقِظ: الثَّباتُ على الحقِّ، ولُزومُ الجادَّة، واتِّباعُ الصراطِ
المُستقيم الذي يستعصِمُ به من الزَّلَل، ويصِلُ به إلى الغايَةِ من رِضوانِ الله
ومحبَّته، ونزولِ دار كرامتِه، ويحذَرُ من اتِّباع السُّبُل التي تَحِيدُ به عن
هذا الصراط.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه
الإمامُ أحمد في "مسنده"، والدارميُّ والنسائيُّ في "سننهما"،
وابنُ حبَّان في "صحيحه"، والحاكم في "مُستدرَكه" بإسنادٍ
صحيحٍ عن عبد الله بن مسعُودٍ - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
خطَّ خطًّا مُستقيمًا ثم قال: «هذا
سبيلُ الله»، ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن شِمالِه، ثم
قال: «هذه السُّبُل على كل
سبيلٍ منها شيطانٌ يدعُو إليها»، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي
مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ
سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]
وهي وصيَّةٌ ربَّانيَّةٌ بالتِزامِ
دينِ الله، والاستِمساكِ بما جاء فيه من عقائِد وفرائِضَ وكمالاتٍ يسعَدُ بها المُسلمُ
في دُنياه وعُقبَاه.
ومن لوازِمِ ذلك وضروراتِه - يا
عبادَ الله -: النُّفرةُ من رذائِلَ وخِصالٍ مقبُوحةٍ جاء النهيُ عنها، والذَّمُّ
لمُجترحِها؛ لأنها من سُبُل الشيطان التي يضِلُّ سالِكُها، ويشقَى بالتردِّي في
وَهدَتها.
وكم للخطيئةِ - يا عباد الله - من
دُروبٍ يدأَبُ الشيطانُ على إقامتها، والإغراء بها، والحثِّ عليها؛ لعرقَلَةِ سَير
السالِكِ إلى ربِّه، الكادِحِ إليه، المُقبِلِ عليه، يُريدُ بذلك تكثيرَ حزبِه،
وتقويَةَ جُندِه، وإهلاكَ عدوِّه ومحسُوده، ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ
عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6].
ألا وإن من دُروب الخطيئة، ومن أشدِّها خطرًا على العبد: ثلاثَ خِصال جاءَ
الوعيدُ الشديدُ لمن اقترَفَ إثمَ واحدةٍ منها، يجمعُ بينها مقصودٌ واحدٌ، وذلك:
هو الإضرارُ بالمسلمين، والضنُّ بالخيرِ عليهم، وابتغاءُ الشرِّ والفتنةِ لهم.
وهو ما جاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال:
قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم الله يومَ القيامة ولا
يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم: رجلٌ على فضلِ ماءٍ بالطريق يمنعُ منه السبيلَ، ورجلٌ
بايعَ إمامًا لا يُبايِعُه إلا لدُنياه، إن أعطاه وفَى له، وإلا لم يَفِ له، ورجلٌ
بايَعَ رجُلاً بسِلعةٍ بعد العصر، فحلفَ بالله لقد أُعطِي بها كذا وكذا، فصدَّقها
فأخذَها ولم يُعطَ بها».
أما الأولى: فرذيلَةُ البُخل والشُّحِّ والأثَرَة في أبشَع صُورها، والبخلُ
ألوانٌ لا تحدُّها الأمثلة، وله دوافعُ نفسية، تختلِفُ طبيعتها وملابساتُها، فمن
ذلك:
أن بعض من ابتُلِيَ بالفقر وضيقِ ذاتِ اليد، حين يُنعِمُ عليه ربُّه بالبسطِ
في الرزق، يخشَى أن تعودَ به الأيام إلى مرارةِ الفقر وشدَّة الإملاق، فيكون الإمساكُ
ديدنَه، حتى لا يكادُ يُنفِقُ نفقةً إلا ويحسِبُ لها ألفَ حساب، فهو يكنِزُ المالَ
ويحبسُه، ويضِنُّ به حتى على نفسِه، وعلى من يعولُ من أهلِه وأولادِه.
وربما كان باعِثَ هذا الشُّحِّ الرغبةُ في جمع الثرَوَاتِ لعقبِه؛ خشيةَ أن
يتركَهم عالةً يتكفَّفُون الناس، وقد كان له في انتهاجِ نهجِ القصدِ والاعتدال
الذي أوصَى به ربُّنا - سبحانه - في كتابِه بقوله: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى
عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29].
قد كان له في انتِهاجِه الظفَر بما يرغَب، والسلامةُ مما يخافُ ويرهَب.
وشرُّ البخل - وهو شرٌ كله -: البخلُ بالفاضِلِ من الماء عن الحاجة، كمن يملك
بئرًا أو عينًا جاريةً في موضعٍ لا ماءَ فيه، فلا يَضِيرهُ أن يستَقيَ منها ابنُ
السبيل، أو يرِدَها حيوانٌ أو طير، ولا خشيةَ من تأثير ذلك عليه؛ بل إن له في بذله
أجرًا أخبرَ عنه رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامه عليه - بقوله: «في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجر»؛ أخرجه البخاري وغيره.
وقد أشاعَ الشارعُ الانتفاعَ بمياه العيون والآبار ونحوها، وجعلَ الناسَ فيها
شُركاء، كما جاءَ في الحديث الذي أخرجه أبو داود في "سننه"، والإمامُ
أحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيحٍ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمون شُركاءُ في ثلاثٍ:
في الكلأ، والماء، والنار».
إذ لا غُنيَةَ لأحدٍ عنها، ولا يَضيرُ الباذِلَ بذلُها ما دام الماءُ فاضلاً
عن الحاجة، مُستقرًّا في موضعه، لم يُنقَل ولم يَجرِ عليه تصرُّفٌ بتصنيعٍ ونحوه.
وأما الخَصلةُ الثانيةُ المقبُوحةُ التي جاء الوعيدُ عليها في الحديث فهي:
غِشُّ إمام المسلمين والغدرُ به بنَكثِ بيعَته، لمجرَّد الهوى والمطامع الدنيوية،
من هِباتٍ ومِنحٍ ومناصِب وغيرها، مما يجعلُه الغاشُّ مُنتهى أمله، وغايةَ مقصده،
فيكون حالُه كمَن قال الله فيهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا
مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ [التوبة: 58].
ولذا جاء هذا الوعيدُ لمن غدَرَ بنَكث البَيعَة، والخروجِ على الإمام؛ لما في
ذلك - كما قال أهلُ العلم بالحديث -: "لما فيه من تفرُّق الكلمة، ولما في
الوفاءِ بالبَيعَة من تحصينِ الفُرُوج والأموال، وحَقن الدماء.
والأصلُ في مُبايَعَة الإمام: أن يُبايِعَه على أن يعملَ بالحق، ويُقيم
الحدودَ، ويأمرَ بالمعروف وينهَى عن المنكر، فمن جعل مُبايعتَه لمالٍ يُعطاه دون
مُلاحظةِ المقصودِ في الأصل فقد خسِر خسرانًا مبينًا، ودخلَ في الوعيد المذكور،
وحاقَ به إن لم يتجاوَز الله عنه.
وفيه: أن كلَّ عملٍ لا يُقصَدُ به وجهُ الله وأُريد به عرضُ الدنيا فهو
فاسِدٌ، وصاحِبُه آثِم" . اهـ.
وكفَى بهذا الغَدرِ والنَّكثِ - يا عباد الله -، كفَى به سوءً وقُبحًا، أن
أعداءَ المسلمين ما وجَدُوا عليهم سبيلاً إلا من طريقِ الغادِرِين في مُختلَف
ضُروبهم وألوانهم ومسالِكِهم في الغَدر، يتَّخِذُون منهم صنائِعَ وأدوات، تهدمُ
ولا تبنِي، وتُفرِّق ولا تجمَع، وتُضِلُّ ولا تهدِي، وتُفسِدُ ولا تُصلِحُ،
وتُحرِّض على الإثمِ والعدوان، وتنشُرُ الأراجيفَ والبهتان، وتسعَى على كل ما
يعودُ على البلاد والعباد بالضررِ والخللِ والفساد، فهم في الحقِّ سُبَّةٌ على
أنفسهم أبدَ الدهر.
وهل يحصُلُ الغادِرُ على غُنمٍ من وراء غَدرِه ونَكثِه؟ هل يحصُلُ على ذلك؟
أو هل يحصُلُ على كَسبٍ ينعمُ به في حياته الدنيا؟ اللهم لا، وكثيرًا ما يجزِي
اللهُ الغادِرَ الناكِثَ بنقيض قصده.
وما أكثَرَ ما سُطِّرت العِبَر من مصائِر الغادِرين وما حلَّ بهم من
النكَبَات، وما نزل بهم من مثُلاتٍ وانهياراتٍ بعد نَبذهم ممن أغرَاهم وأغوَاهم،
واتَّخذَ منهم معاوِلَ هدمٍ وأدواتِ فوضى وتخريبٍ وفساد.
وكفى الغادِرَ الناكِثَ خِزيًا فضيحتُه على رُؤوس الأشهاد يوم القيامة، كما
جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، عن أنس بن مالك - رضي
الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لكل غادِرٍ لواءٌ يوم القيامة، يُقال: هذه غَدرَةُ
فُلان بن فلانٍ».
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [النور: 44]، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ
قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].
نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابِه، وبسُنَّة
نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي
ولكم ولكافَّةِ المسلمين من كلِّ ذنبٍ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وليِّ الصالحين، الذي
اهتدَى بفضلِه المُهتَدون، وضلَّ بعدلِه الضالُّون، أحمدُه - سبحانه - وأشهدُ أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسألُ عما يفعَلُ وهم يُسأَلون، وأشهدُ أن سيِّدنا
ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه النبيُّ الأُمِّيُّ الصادقُ المأمُون، اللهم
صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه ما ذكَرَه الذاكِرُون،
وغفَلَ عن ذِكرِه الغافِلُون.
أما بعد .. فيا عباد الله:
إن ثالثَ الخِصال المرذُولَة
المقبُوحةِ التي جاءت في الحديث: الغِشُّ في البيع والشراء، بإعمال طُرقٍ وحِيَلٍ
يحتالُ بها الغاشُّ ليكسِبَ الصَّفقةَ، ويربَحَ المغنَم، ويزيدَ ثروتَه.
وأخبَثُ
الغِشِّ وأعظمُه جُرمًا: ما كان الحَلِفُ بالله فيه وسيلةً لترويجِ السِّلعَةِ
البائِرَة، بأن يحلِفَ البائِعُ أنه أُعطِيَ فيها من المالِ كذا وكذا، وهو في
الواقعِ لم يُعطَ شيئًا مما زعَم.
وأمثالُ ذلك من
المُغامراتِ التي يلجَأُ إليها بعضُ من رقَّ دينُه، وضعُفَ يقينُه، فتفسُدُ بها
دُنياه وأُخراه:
أما فسادُ
دُنياه: فبزعزَعةِ الثِّقَةِ فيه، وعدم الرُّكونِ إليه، وتركِ مُعاملتِه، فيحِلُّ
الفسادُ بتجارتِه، وينزِلُ الإفلاسُ بساحَتِه.
وأما فسادُ
أُخراه: فدخولُه في زُمرةِ من توعَّدَه الله بهذا الوعيدِ الشديدِ الواردِ في ذلك
الحديث، وفي قول نبيِّ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم الله يوم القيامة:
المنَّانُ، والمُنفِّقُ سِلعتَه باليمينِ الفاجِر، والمُسبِلُ إزارَه»؛ أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وخصَّ هذا
الوعيدَ بمن باعَ بعد العصر؛ لشرَفِ هذا الوقت، واجتِماع الملائكةِ فيه، أو لأن
الناس ينقلِبُون فيه إلى منازلِهم مكدُودين مجدُودين، فيغتنِمُ الغاشُّ ذلك
لتنفيقِ سِلعَته؛ خشيةَ أن تَبيتَ عنده فتكسُد أو تفسُد، فيحلِفُ ويُصدِّقُه
المُشتَرِي ولا يُماكِسُه، فيأخُذ السِّلعةَ بأكثرَ من ثمنها، اغتِرارًا بحلف
البائعِ وتصديقًا ليمينه.
وكفى بالغاشِّ
إثمًا أن يقول فيه سيِّدُ ولدِ آدم - صلى الله عليه وسلم -: «من غشَّنا فليس منَّا»؛ أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي
هريرة.
وفي رواية: «من غشَّ فليس منَّا».
وليس المقصودُ
إخراجُه من الملَّة وتكفيرُه، ولكن المقصود: ليس على هَديِنا، ولا على طريقتِنا،
ولا على سُنَّتنِا، وكفَى بذلك إثمًا وضلالاً مُبينًا.
فاتَّقوا الله - عباد الله -،
وحذارِ من هذه الخِصال الثلاث حذَار، ومن كل خصلَةٍ توعَّد الله صاحبَها بهذا
الوعيد الصارِخِ وأمثالِه؛ تكونوا من الفائِزين المُفلِحين.
واذكُروا على الدوامِ أن الله
تعالى قد أمرَكم بالصلاةِ والسلام على خيرِ الأنام، فقال في أصدَقِ الحديثِ وأحسَن
الكلام: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:
56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك
ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان،
وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، وأزواجِه أمهات المُؤمنين، وعنَّا
معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرَمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم
أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزةَ الدين،
ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين،
ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا ربَّ العالمين.
اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ،
وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهدين
الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح
أئمَّتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له
البِطانةَ الصالحة، ووفِّقه لما تحبُّ وترضَى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه
ونائِبَيه وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد
والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.
اللهم آتِ نفوسَنا تقوَاها،
وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو
عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي
إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً من كل شرٍّ.
اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات،
وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ
فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا
بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب
العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا
نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في
نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من
شُرورهم.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحَم موتانا،
وبلِّغنا فيما يُرضِيكَ آمالَنا، واختِم بالباقِيات الصالِحات أعمالَنا.
اللهم اكتُب النصرَ والتأييدَ
والحفظَ لجنودِنا البواسِل في كل جبَهات القتال جنوبًا وشمالاً وشرقًا وغربًا يارب
العالمين، اللهم احفَظهم بحفظِك، وأيِّدهم بتأييدِك، اللهم انصُر بهم دينَك، اللهم
انصُر بهم دينَك، اللهم انصُر بهم دينَك، وأعلِ بهم كلمتَك يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا
وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا
محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.